في رسالته الخاصة باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الموافق لتاريخ 25 نوفمبر يوضح رئيس الشؤون الدينية أرباش بأن السماح بتعرض أي إنسان أو امرأة أو طفل ضعيف للعنف تحت أي سبب كان، هو بمثابة انعكاس لفكر جاهلي يفتقر إلى الرحمة والعدالة
إن الإسلام الذي يعتبر كافة الناس على أنهم "أشرف المخلوقات" من زاوية الخلق، قد ضمن للجميع الحقوق الأساسية والحريات دون تبعية لأي تفرقة أو تمييز وذلك من خلال مبادئه وأحكامه التي تمنح الحياة لهذه الأرض. ومن هذا الجانب، فإن الإسلام الذي يرى أرواح كافة الناس من امرأة ورجل وشيخ وشاب وأموالهم وكرامتهم وخصوصياتهم على أنها أمور مقدسة، هو دين ضامن للسلام على وجه هذه الأرض بمبادئه المليئة بالرحمة.
وإن رسول الرحمة رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي كان مثالاً وأنموذجاً للعالم من خلال عيشه لكل مبدأ من مبادئ الإسلام، كان قد بنى وأقام دائماً علاقاته مع الناس على القيم العالمية من شفقة ومرحمة وعدالة وحقانية وغيرها. حيث أنه صلى الله عليه وسلم وفي هذا السياق، قد وجه الأنظار إلى أن الألفة هي القيمة الأساسية في العلاقات البشرية بقوله عليه السلام "الْمُؤْمِنُ آلِفٌ مَأْلُوفٌ وَلا خَيْرَ فِيمَنْ لا يَأْلَفُ وَلا يُؤْلَفُ." (أحمد، المسند، 2/400).
بيد أن عالمنا مع الأسف وخاصة في القرن الأخير، يمر من خلال حلقات العنف الذي لا يرحم. ولا شك أن شرائح المجتمع الضعيفة والواهنة والأطفال والنساء هم أكثر من يتأثر من حلقات العنف هذه التي تهدد كافة الإنسانية دون تفرقة بين دين وعرق وجغرافيا وجنس ومكانة اجتماعية. وإنه يجب أن يعلم، بأن إلحاق الأذى بأي إنسان أو امرأة أو طفل ضعيف والتقليل من شأنه والسماح بتعرضه للعنف تحت أي سبب كان، هو بمثابة انعكاس لفكر جاهلي يفتقر إلى الرحمة والعدالة. وذلك لأن وجود العدالة والرحمة في مجتمع ما وكذلك مستوى الوجدان والأخلاق لدى شخص ما، يقاس من خلال الأسلوب الموجه للضعفاء ومن يفتقرون إلى القوة.
وإن الإسلام في خضم هذا السياق، يريد لتلك الأفكار الجاهلية التي تتلف الناس وفي مقدمتهم النساء والأطفال وتقصيهم وتدوس على كرامتهم من خلال التعامل معهم كسلعة، أن يتم إزالتها تماماً، وأن يسود الاحترام والمحبة في القلوب والرحمة والمودة داخل الأسرة والحقانية والعدالة في المجتمع. وإن التحذير الذي أدلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو الذي أرسى مفاهيم الحق والأمانة والاحترام والمحبة في جوهر التعامل مع النساء على وجه التحديد، هو بمثابة أوضح تعبير عن الأهمية التي أعطاها الإسلام لهذه المسألة. حيث قال صلى الله عليه وسلم: "أَيُّهَا النَّاسُ! اِسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرَاً! وَاِتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ..." (مسلم، الحج، 147)
إذاً، فإن السبيل الوحيد اليوم الذي من شأنه أن يخلصنا من حلقات العنف هذه التي هزهزت وحدة أسرنا واتحاد مجتمعنا وتماسكه، هو الإصغاء لوصية رسولنا صلى الله عليه وسلم هذه. وهو القيام بإرساء الإنصاف والعدل والشفقة والرحمة في أسس علاقاتنا من خلال استيعاب رسائل الرحمة القرآنية والمبادئ الأخلاقية للإسلام وكذلك حياة رسولنا صلى الله عليه وسلم الأنموذجية. كما أنه الشروع في حملة شاملة للرحمة تحيط بسائر الأحياء وعلى رأسهم نساؤنا وأطفالنا.
ومن هذا المنطلق، فإنني أرجوا أن تكون الأنشطة والفعاليات التي ستقام خلال اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الموافق لتاريخ 25 نوفمبر، وسيلة لتشكل وعي باقٍ ودائم حول الخير والرحمة ولأن يعيش الأطفال والنساء في كافة أنحاء العالم أياماً يملؤها الاستقرار وبعيدة عن كافة أشكال العنف والإهمال والاستغلال.
الأستاذ الدكتور علي أرباش
رئيس الشؤون الدينية