08/شوال/1443
قام رئيس الشؤون الدينية الأستاذ الدكتور علي أرباش بإمامة المصلين في صلاة العيد في مسجد السليمانية بمناسبة عيد الفطر وإلقاء خطبة العيد
أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُونَ اَلْأَعِزَّاءُ!
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي بَلَّغَ عِبَادَهُ اَلَّذِينَ اِجْتَازُوا اَلتَّعَالِيمَ اَلْإِلَهِيَّةِ اَلرَّمَضَانِيَّةِ عِيدَ اَلْفِطْرِ اَلْمُبَارَكِ.
وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ اَلْخُلُقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اَللَّهِ اَلَّذِي جَعَلَ اَلْأَعْيَادَ أَيَّامًا لِذِكْرِ اَللَّهِ وَالْوِحْدَةِ وَالتَّضَامُنِ وَالْبَهْجَةِ وَالسُّرُورِ.
أَيُّهَا اَلْإِخْوَةُ اَلْأَعِزَّاءُ!
إِنَّ اَلْأَعْيَادَ هِيَ أَيَّامُ اَللِّقَاءِ مَعَ فِطْرَتِنَا اَلَّتِي فَطَرَنَا اَللَّهُ عَلَيْهَا. وَهَذِهِ اَلْأَيَّامُ هِيَ أَيَّامُ اِنْشِرَاحِ قُلُوبِنَا وَأَيَّامُ مُشَارَكَةِ بَهْجَتِنَا. وَهِيَ أَيَّامٌ لتَعْزِيزِ أَوَاصِرِ أُخُوَّتِنَا وَتَآلُفِ قُلُوبِنَا. وَالْأَعْيَادُ هِيَ لَحَظَاتُ اَلْوِحْدَةِ حَيْثُ يَعِيشُ مَلَايِينَ اَلْمُسْلِمِينَ مِنْ مُخْتَلِفِ اَللُّغَاتِ وَالْأَلْوَانِ وَالْجُغْرَافْيَا وَالْأَدْيَانِ اَلْمُخْتَلِفَةِ نَفْسَ اَلْمَشَاعِرِ بِنَفْسِ اَلْإِيمَانِ وَالْقُلُوبِ وَالْأَدْعِيَةِ.
إِخْوَانِي!
إِنَّ اَلْأَعْيَادَ - وَمِثْلَ بَاقِي اَلنِّعَمِ- هِيَ أَيْضًا وَسِيلَةً لِلشُّكْرِ. فَلْنَتَقَرَّبَ بِالشُّكْرِ مِنْ خَالِقِنَا اَلْعَظِيمِ اَلَّذِي هُوَ مَصْدَرُ كُلِّ اَلْوُجُودِ وَالنِّعَمِ.
وَنَحْنُ مَنْ نَجْعَلُ مِنْ اَلْعِيدِ عِيدًا بِمَعْنَاهُ اَلْحَقِيقِيِّ. لِذَلِكَ دَعُونَا نُشَارِكُ اَلْجَمِيعَ بَهْجَةَ وَسَعَادَةَ اَلْعِيدِ. وَلْنُكْثِرْ اَلْجَمَالَ وَالْخَيْرَ بِالْمُشَارَكَةِ. وَلْنُقَلَّل مِنْ آلَامِ مَنْ يُعَانُونَ مِنْ اَلْأَلَمِ وَلْنُخَفِّفَ اَلْعِبْءَ عَنْ اَلَّذِينَ أَثْقَلَتْهُمْ اَلْأَعْبَاءُ وَلْنُشَارِكْ اَلْهُمُومَ مَعَ مِنْ أَتْعَبَتْهُمْ اَلْهُمُومُ.
وَلْنُظْهِرْ اَلْوَلَاءَ لِمَبْدَأِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "المُؤْمِنَ للمؤمنِ كالبُنْيانِ يشدُّ بَعضُهُ بعضًا".
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ اَلْأَفَاضِلِ!
إِنَّ اَلْأَعْيَادَ لِلتَّذَكُّرِ. فَدَعُونَا نَقُومُ وَبِدَايَةً مِنْ أَبَوَيْنَا بِزِيَارَةِ كِبَارِ عَائِلَتِنَا وَأَصْدِقَائِنَا وَجِيرَانِنَا وَأَقَارِبِنَا. وَلِنَقُمْ بِإِدْخَال اَلسَّعَادَةِ عَلَى قُلُوبِ اَلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمُحْتَاجِينَ.
وَلْنَسْأَلْ عَنْ خَاطِرِ اَلْمَرْضَى وَلْنُدْخِل اَلْبَهْجَة قُلُوبَ اَلْيَتَامَى وَلْنَطْلُب اَلدُّعَاءَ مِنْ كِبَارِنَا. وَلْنَرْسُمْ اَلْبَسْمَةَ عَلَى وُجُوهِنَا حَتَّى يَشْعُرَ أَطْفَالُنَا بِفَرْحَةِ اَلْعِيدِ وَتَمْتَلِأ قُلُوبُهُمْ بِالدِّفْءِ.
وَالْأَعْيَادُ هِيَ أَيَّامُ اَلْحُبِّ وَالسَّلَامِ وَالصُّلْحِ. لِذَلِكَ دَعُونَا نَضَع اَلْخِصَامَ والهَجْرَ جَانِبًا فِي هَذَا اَلْعِيدِ. وَدَعُونَا نَتَذَوَّق لَذَّةَ أُخُوَّةِ اَلْإِيمَانِ.
وَالْأَعْيَادُ هِيَ أَوْقَاتُ اَلدُّعَاءِ. فَلْنَرْفَعْ أَكُفَّ اَلضَّرَاعَةِ وَلْنَدْعُ رَبَّنَا لِإِخْوَانِنَا اَلَّذِينَ أَتْعَبَتْهُمْ اَلْمَشَاكِلُ وَأَثْقَلَتْهُمْ اَلْهُمُومُ فِي شَتَّى بِقَاعِ اَلْأَرْضِ. وَلْنَسْأَلْ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذَا اَلْعِيدِ أَنْ يَمْلَأَ بِلَادَ اَلْمُسْلِمِينَ بِالْأَمْنِ وَالْأَمَانِ.
وَبِهَذِهِ اَلْمُنَاسَبَةِ وَمِنْ هَذَا اَلْمِنْبَرِ وَمِنْ هَذَا اَلْمَسْجِدِ - مَسْجِدِ اَلسُّلَيْمَانِيَّةِ - وَمِنْ هُنْا مِنْ مَدِينَةِ إِسْطَنْبُول أُنَاشِدُ اَلْبَشَرِيَّةَ جَمْعَاءَ وَأقُولْ:
أَيُّهَا اَلنَّاسْ!
إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى قَدْ خَلَقَ هَذِهِ اَلدُّنْيَا مِنْ أَجْلِنَا جَمِيعًا وَهِيَ تَتَّسِعُ لَنَا جَمِيعًا. لِذَا فَدَعُونَا نَبْتَعِدُ عَنْ اَلْمَظَالِمِ وَنَتَجَنَّبُ ظُلْمَ بَعْضِنَا لِبَعْضٍ.
فَلْيَقْتَنِعْ اَلْجَمِيعُ بِمَا قَسَّمَ اَللَّهُ لَهُ. وَلْنَعِشْ بِفَلْسَفَة "يَجِبُ أَنْ نُشَارِكَ وَنُسَاعِدَ اَلْآخَرِينَ حَتَّى يَتَمَكَّنُوا مِنْ اَلْعَيْشِ" وَلَيْسَ بِفَلْسَفَةِ "سَآخُذُ مَا يَمْتَلِكُهُ اَلْآخَرِينَ حَتَّى أَتَمَكَّنَ مِنْ اَلْعَيْشِ بِشَكْلٍ أَفْضَلَ، وَمَهْمَا يَكُنْ فَلْيَكُنْ."
وَإِذَا وَضَعْنَا هَذَا اَلْفَهْمَ وَطَبَّقْنَاهُ فِي كُلِّ مَجَالَاتِ حَيَاتِنَا فَسَوْفَ تَنْتَهِي اَلْحُرُوبُ وَالْمَظَالِمُ فِي اَلْعَالَمِ. وَلَنْ يَضْطَرَّ مَلَايِينُ اَلْأَبْرِيَاءِ مِنْ اَلنِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ إِلَى اَلْفِرَارِ وَتَرْكِ مَنَازِلِهِمْ وَالذَّهَابِ إِلَى أَمَاكِنَ أُخْرَى لِلُّجُوءِ. وَعِنْدَهَا تُصْبِحُ اَلْخِلَافَاتُ وَسِيلَةً لِلثَّرَاءِ وَلَيْسَتْ سَبَبًا لِلصِّرَاعِ.
وَعِنْدَهَا يَعِيشُ جَمِيعُ اَلنَّاسِ بِحُقُوقِهِمْ اَلْمُحَصَّنَةِ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ. وَتُسَاهِمُ حِمَايَةُ حُرِّيَّةِ اَلْعِبَادَةِ وَحُرْمَةِ اَلْمَعَابِدِ فِي اَلسَّلَامِ اَلِاجْتِمَاعِيِّ وَالْعَالَمِيِّ.
وَفِيْ كُلِّ ثَلَاثٍ إِلَى أَرْبَعِ ثَوَانٍ يَمُوتُ فِي هَذَا اَلْعَالَمِ إِنْسَانٌ مِنْ اَلْجُوعِ. وَكَّلَ ثَلَاث إِلَى أَرْبَعِ ثَوَانٍ يَمُوتُ إِنْسَانٌ مِنْ اَلشَّبَعِ وَمِنْ اَلْإِفْرَاطِ فِي اَلْأَكْلِ. وَفِي هَذِهِ اَلصُّورَةِ تَتَجَلَّى أَهَمِّيَّةُ مَبَادِئِ اَلزَّكَاةِ وَالْإِنْفَاقِ وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّضَامُنِ وَالْمُشَارَكَةِ فِي اَلْإِسْلَامِ كَدِينٍ لِلتَّوَازُنِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَعِزَّاءُ!
وَبِاتِّبَاعِ أَمْرِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتّٰى يَأْتِيَكَ الْيَق۪ينُ." دَعُونَا نُحَافِظُ طَوَالَ حَيَاتِنَا عَلَى اَلْخِصَالِ اَلْحَمِيدَةِ اَلَّتِي اِكْتَسَبْنَاهَا فِي مَدْرَسَةِ رَمَضَانْ.
وَلْنَنْقُلْ سَكِيْنَةَ رَمَضَانَ وَبَرَكَتَه وَصِدْقَه إِلَى كُلِّ لَحَظَاتِ عُمْرِنَا.
وَاخْتَتِمُ خُطْبَتِي فِي اَلسُّلَيْمَانِيَّةِ وَفِي صَبَاحِ اَلْعِيدِ بِأَبْيَاتِ اَلشِّعْرِ هَذِهِ:
نُورُ قَلْبِي يَزْدَادُ فِي كُلِّ ثَانِيَةٍ
وَكَانَ صَبَاحًا مُهِيبًا فِي اَلسُّلَيْمَانِيَّةِ.
أَيُّهَا اَلْمَعْبَدُ اَلْعَظِيمُ! أَصْبَحْتُ أَفْهَمُكَ اَلْآنَ فِي هَذَا اَلصَّبَاحِ
وَأَنَا اَلْيَوْمَ فَخُورٌ بِأَنْ أَكُون وَارِثُكَ.
ذَاتَ مَرَّةٍ اِعْتَقَدْتُ أَنَّهُ نُصْبٌ تِذْكَارِيٌّ مِنْ هَنْدَسَةٍ
وَالْآنَ اُنْظُرُ إِلَى هَذَا اَلْجُمْهُورِ مِنْ تَحْتِ اَلْقُبَّةِ
وَأَنَا أَرَاهُ فِي رُؤْيَايَ مُنْذُ سَنَوَاتٍ وَأَشْتَاقُهُ
وَكَأَنَّنِي دَخَلَتُ أَجْوَاءَ مَغْفِرَةِ اَلْأَجْدَادِ
حُشُودٌ مِنْ اَلنَّاسِ لُغَتُهَا وَاحِدَةٌ وَقَلْبُهَا وَاحِدٌ وَإِيمَانُهَا وَاحِدٌ
يرَون أن الموجُودات مُتَجَمِّعٌ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ
وَعِنْدَ ذِكْرِ اَللَّهِ اَلْعَظِيمِ، كُلُّهُمْ بِفَمٍ وَاحِدٍ
وَكَمْ مِنْ مَوْجَاتِ اَلْأَصْوَاتِ تُصْبِحُ صَوْتاً وَاحِداً بِالتَّكْبِيرِ.