02/محرم/1444
اعتبارا من يوم السبت الموافق 30 تموز سنكون قد دخلنا للعام 1444 من التقويم الهجري، والذي يؤخذ على أساس هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة. وبهذه المناسبة أسأل الله تعالى رب الزمان والمكان في هذا العام الهجري الجديد أن يمن على البشرية بالأمن والسلامة، وأن يبسط السلام والبركة على وجه الأرض."
إن هذه الأيام التي نشهد بها رأس سنة جديدة هي فرصة لنا لإعادة التفكير والنظر في معنى وقيمة الوقت. فالوقت هو نعمة عظيمة من الله تعالى، وكل لحظة فيه هي أمانة إلهية، وهو رأس مال استثنائي لا يمكن تجديده وادخاره وشراؤه. وفي هذا السياق فإن تحذير الله تعالى "وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ..." (العصر، 103/1-2) ومبدأ "فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ." (سورة الشرح، 94/7)، هو أمر ملفت للانتباه ويكشف مدى أهمية وقيمة الوقت. وبالتالي فإن إدراك الوقت بشكل صحيح والتخطيط الفعال له والاستفادة منه بأفضل طريقة ممكنة لإحياء الحاضر وبناء المستقبل من خلال التعلم وأخذ الدروس من الماضي هي مسؤولية لا يمكن لمن لديه وعد وأمل بالمستقبل أن يتجاهلها.
وفي الواقع فإن الوقت ثمين بذاته. وإلى جانب ذلك فبعض الأحداث تعطي معنى وقيمة مميزة للوقت الذي تحدث فيه. وأهم حدث نذكره في رأس السنة الهجرية الذي نحتفل بذكراه اليوم هو حادثة الهجرة التي تعتبر بداية للتقويم الهجري وهي نقطة تحول تاريخية للمسلمين من حيث معناها، وللإنسانية جمعاء من حيث أسبابها وعواقبها. فالهجرة التي حدثت قبل 1444 سنة هي مسيرة مباركة تخلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن أملاكهم الموجودة في مكة، حيث ضاق عليهم الزمان والمكان، وشقوا طريقهم نحو الأمل. وبالهجرة نقل المسلمون نضالهم في سبيل إبقاء التوحيد والعدالة حيا والحفاظ عليه، إلى بعد جديد، وأظهروا أعظم الأمثلة في التسليم لله تعالى والإخلاص للنبي والعزم على التعايش كمسلمين. فملؤوا يثرب التي هاجروا إليها بمبادئ الإسلام الواهبة للحياة وحولوها إلى المدينة المنورة ومدينة الأمان والسكينة والسلامة وأنشؤوا حضارة استثنائية مليئة بالعدالة والرحمة والكرامة الإنسانية والحقوق والحريات الأساسية.
إن فهم الهجرة بهذا المنوال في يومنا هذا سيوفر لنا الإمكانيات لمقاومة صعوبات العصر. فالهجرة هي إيجاد الاستقامة بالتدبير والتوكل والتصميم دون الوقوع في اليأس أثناء مواجهة متاعب الحياة ومصاعبها. وهي السير نحو المستقبل بإيمان قوي وإرادة سليمة وعزم لا يتزعزع من خلال اعتناق القيم العالمية للإسلام ومبادئ الأخلاق الحميدة. ومن ناحية أخرى فالهجرة هي السعي لتقديم رسالات القرآن لإدراك الناس في هذا القرن بالطريقة الصحيحة ولزيادة الخير على وجه الأرض من خلال الوقوف بثبات وشجاعة في وجه الشرور وجس نبض الزمان.
وبهذه المشاعر والأفكار أهنئ أمتنا الحبيبة والعالم الإسلامي بأسره بحلول العام الهجري الجديد، وأدعو الله تعالى أن يبقي قلوبنا وعقولنا حية في هذه الحياة بشعور "الوقت ملكي والمكان أمانة في عنقي".
الأستاذ الدكتور علي أرباش
رئيس الشؤون الدينية