رسالة رئيس الشؤون الدينية أرباش بمناسبة حلول شهر محرم وذكرى كربلاء

رسالة رئيس الشؤون الدينية أرباش بمناسبة حلول شهر محرم وذكرى كربلاء

11/محرم/1444

إن النبي صلى الله عليه وسلم وصف شهر محرم الذي هو أحد الأشهر الأربعة التي نص القرآن على وجوب احترامها، بأنه "شهر الله"، مشيرا إلى فضله وفيضه وبركته. بالإضافة إلى ذلك فإن كون هذا الشهر بداية التقويم الهجري، فإنه يذكرنا بمسيرة المسلمين بالهجرة نحو بدايات جديدة في دفء البشائر السارة. والعاشر من محرم الذي يحمل آثارا من تاريخ الإسلام وحياة الأنبياء يُدرك على أنه يوم عاشوراء. ومن ناحية أخرى يحمل شهر محرم ألم وحزن استشهاد أحد أفراد آل البيت، سيدنا الحسين (رضي الله عنه)، وأصحابه.

في العاشر من محرم من سنة 61 للهجرة قتل وبكل وحشية أحد أحفاد نبينا وحبّه سيدنا الحسين وارتقى شهيدا برفقة سبعين مؤمنا من آل البيت. لذلك عندما يأتي شهر محرم إلى قلوبنا بحزن وبأوقات تملؤها الآلام، فإننا نكاد نعيش هذا الحزن الذي لا يوصف.

هذه الواقعة الأليمة التي أصابت صميم قلوب المسلمين، كانت التعبير المشترك عن نفس الألم والحزن لجميع المسلمين بمختلف جغرافيتهم وعرقهم ومذاهبهم وثقافتهم لعدة قرون.

وبكل تأكيد فإن حادثة كربلاء تحتوي على رسائل تتجاوز العصور إلى ما هو أكثر من مجرد حدث مؤلم في التاريخ. فكربلاء هي رمز النضال المشرف ضد الظلم والوقوف ضد التجبر وعدم التنازل عن الحقانية. وهي رمز لمسيرة نبيلة باسم الحق والحقيقة والالتزام بالوعد والوفاء ضد كل أنواع الظلم.

فسيدنا الحسين، الذي يعد المثال على العدل والشجاعة والبسالة والأخلاق الرفيعة والذي استشهد بوحشية في صحراء كربلاء مع رفقة أصحابه، نال وأصحابه بكفاحهم المشرف في وجه الظلم مكانة استثنائية في قلوب الذين يسيرون على درب الحق. أما أولئك الذين اضطهدوا تلك النفوس المباركة وقتلوها فقد حكم عليهم في الصفحات المظلمة من تاريخ البشرية إلى الأبد.

إن العالم الإسلامي اليوم  يعيش في موسم حزن. فإلى جانب الحزن الذي جلبه الألم لقلوب المؤمنين بسبب ما وقع في كربلاء فإن المشاكل مثل الحروب والاحتلال والفقر والوحدة التي تعرض لها العالم الإسلامي حولت جغرافية المسلمين إلى أرض حزن. وبينما تحترق القلوب بآلام سيدنا الحسين ورفاقه الذين استشهدوا بسبب طموحات سياسية فلا تزال أرواح كثيرة تحترق في نار الفتنة والتفرقة والإرهاب في الجغرافيا الإسلامية.

وفي هذه الفترة العصيبة يجب على المسلمين جميعا أن يعتصموا بحبل الله والقرآن والسنة وأن يجعلوا رسالة الآية الكريمة "إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ..." (سُورَةُ الْحُجُرَاتِ، 49/10) تسيطر وتسود على حياتهم. وعليهم أن يقرأوا الأحداث المريرة التي حدثت في التاريخ، مثل كربلاء، بشكل صحيح وعليهم أن يتحركوا بفراسة وعقل سليم للقضاء على الفتن التي نعيشها اليوم.

وبهذه المناسبة أحييّ وأسترحم أحفاد نبينا صلى الله عليه وسلم الأعزاء وفلذة كبد سيدنا علي كرم الله وجهه وأمنا فاطمة رضي الله عنها، وخصوصا سيدنا الحسين وجميع شهداء كربلاء وكل من ضحى بحياته في سبيل الدين والإيمان والمقدسات في سبيل الحق والحقيقة.

وأسأل الله تعالى أن يجعل شهر محرم وسيلة لانتهاء الفتن والتفرقة والفوضى والنزاع، ويجعل هذا الشهر وسيلة لتعزيز السلام والأخوة، وأن يجعله أساسا للوحدة في زمن كثر فيه الفراق والنزاع.

 

الأستاذ الدكتور علي أرباش

رئيس الشؤون الدينية