02/رجب/1444
أصدر رئيس الشؤون الدينية الأستاذ الدكتور علي أرباش رسالة بشأن بداية الأشهر الثلاثة المباركة التي تشمل أشهر رجب وشعبان ورمضان.
وأدرج الرئيس أرباش في رسالته البيانات التالية:
مع شهر رجب دخلنا مناخ الرحمة والبركة والمغفرة للأشهر الثلاثة. نحمد الله دائماً لأنه جمع شملنا في هذا الموسم المبارك مرة أخرى، الذي له مكانة مهمة في عالمنا من الإيمان والعبادة والثقافة. نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق من أجل الاستفادة القصوى من هذه الأيام المباركة.
الحياة نعمة عظيمة وثمينة تمنح للإنسان. والوقت هو رأس مال فريد يعتمد على إمكانية الوجود والعيش. ومفهوم الوقت وإدراكه هما نقطة البداية لجميع التصرفات البشرية في الحياة. المعنى المنسوب إلى الوقت وكل لحظة من لحظاته هو العامل الأساسي الذي سيحدد طبيعة وجودة ونوعية الحياة الفردية والاجتماعية. الوقت، الذي هو فرصة الخلاص الأبدي للذين يستطيعون تحقيق مصيرهم بإدراك ووعي قويين، يمكن أن يتحول أيضاً إلى سبب إحباط للغافلين عن الوقت. هذه حقيقة تتطلب وعياً مدى الحياة، ويجب أن يكون معروفاً أنه بينما يستهلك رأس مال الحياة الذي يقع على نصيبه من الوقت الذي يهدر في كل لحظة، فإن الإنسان يملأ حقيبته في الواقع للرحلة إلى الأبدية. وما سيواجه الإنسان في العالم الأبدي لن يكون سوى ما ألقاه في أمتعته هنا. لهذا السبب، وأقسم الله سبحانه وتعالى بالوقت وبأوقات معينة في القرآن الكريم ويدعو المؤمنين إلى أن يكونوا واعين وحساسين بشأن رأس المال الثمين هذا. ويدعوه إلى أن يكون دائماً يقظاً من حيث الإيمان والأعمال الصالحة والحقوق والمثابرة من أجل أن يكون عابداً من عباده.
نظراً لأن الوقت مظهر من مظاهر الإرادة الإلهية، فإن له قيمة في كل لحظة. ومع ذلك، هناك أوقات تقدم فيها للمسلمين فرصة جديدة لإعادة تنشيط والتحفيز ضد الرداءة التي من المحتمل أن تحدث خلال رحلة حياتهم. وإن الأشهر الثلاثة تعني لنا مثل هذا المعنى والقيمة. وهذه الأشهر، التي تواجهنا مع أنفسنا وتعطينا الفرصة للمحاسبة والتوبة والتجديد، هي مناخ استثنائي من الروحانية مع أوقات مباركة فيها. في الواقع، فإن ليلة رجب، التي سنعلن فيها بداية جديدة بتوجيه دعوتنا إلى ربنا فحسب، هي نذير لهذه الأشهر. وليلة المعراج، التي هي مسرح لمعجزة الإسراء والمعراج التي حدثت لنبينا (صلى الله عليه وسلم) ولأخذه مختلف الأخبار السارة بسلام، هي فترة مباركة من هذه الأشهر. وإن ليلة المنتصف من شعبان التي هي مناسبة للعفو والمغفرة والتطهير للمؤمنين بفضل الله تعالى ونعمته، هي نسيم من هذا المناخ. وليلة القدر الذي أنزل فيه القرآن الكريم هي ذروة هذا المناخ. حيث إن هذا القرآن هو دليلنا في الحياة ويضيء آفاق البشرية لمدة 14 قرناً كعلامة على رحمة الله لعباده. وهذه الأشهر، التي تضيف جمالاً لا يحصى إلى حياتنا، هي موسم الرغبة في النعم والخير، والتحرر من الشر والرحمة الكاملة والبركة والمغفرة. لهذا السبب، قال نبينا الحبيب (صلى الله عليه وسلم)، "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبَ وَشَعْبَانَ، وَبَلِّغْنَا رَمَضَانَ."
مما لا شك فيه أن الطريقة الوحيدة لتحقيق أقصى استفادة من هذا الموسم هي من خلال الإيمان الذي لا يتزعزع والخضوع الذي لا يتزعزع والجهد المخلص. وإن أعظم فرصة لتحريرنا من انشغالات العالم الخادعة والمضللة وإدخالنا في الجو الروحي لهذا الموسم المبارك، هي إيماننا بربنا القدير. إنه ولاؤنا لوعدنا له. ويتمثل جهدنا في الوفاء بمتطلبات ذلك الوعد. لذلك يجب أن نرى هذه الأشهر كفرصة فريدة لن نحصل عليها مرة أخرى ونبحث عن طرق لتحقيق أقصى استفادة من أجوائها الروحية. من خلال التوجه إلى ربنا بتوبتنا ودعائنا واستغفارنا، علينا أن نسعى جاهدين لتقوية إيماننا، وتقوية ولائنا، وتجميل عبوديتنا، وجعل كل لحظة من حياتنا شاهدة لإيماننا.
وفي هذه المناسبة، آمل أن تكون الأشهر الثلاثة التي سندركها مفيدة وجالبة للخير ودافعة للشر. وأدعو الله من أجل وحدة المسلمين وتضامنهم وسلام الأرض وطمأنينتها. عسى ربنا القدير أن يحمينا والعالم الإسلامي والبشرية جمعاء من كل أنواع المصائب والكوارث والشرور، من أجل دعائنا في هذه الأيام والليالي المباركة. اللهم ارحمنا وبارك لنا واغفر لنا واعف عنا في الدنيا والآخرة.
الأستاذ الدكتور علي أرباش
رئيس الشؤون الدينية