05/رمضان/1444
"الحمد لله حمدا كثيرا الذي أوصلنا مرة أخرى إلى شهر رمضان، إلى مناخ الرحمة والبركة والمغفرة. هذا العام، نستقبل شهر رمضان بقلوب حزينة ومؤلمة. لأنه قد اهتزت بلادنا بسبب الكوارث العظيمة. ولقد فقدنا عشرات الآلاف من إخواننا، وتحولت مدننا إلى أنقاض، فأصبح مواطنونا بلا مأوى. وعانينا من معاناة لا توصف. لهذا السبب، فإن شهر رمضان هذا العام له أهمية خاصة. لأن شهر رمضان هو شهر سنجد فيه دواء لمشاكلنا وسنجعل صعوباتنا سهلة. إنه فصل ربيع يتكاثر فيه الخير، ويجد فيه أنفسنا وقلوبنا الراحة، وتقوى أخوتنا، وتتجدد فيه آمالنا.
رمضان هو شهر التعاون والمشاركة والتضامن وكذلك شهر القرآن والعبادة. هذا الشهر المبارك الذي تتجمل فيه قلوبنا بنسمات الرحمة الإلهية والبركة من خلال العبادات مثل الصوم والإفطار والسحور وختم قراءة القرآن وأداء صلاة التراويح، هو أيضاً فرصة أتيحت لنا لتعزيز مشاعر الأخوة وتعزيز وعينا بالتضامن من خلال الإنفاق والإكرام والزكاة وصدقة الفطر والصدقات. وبهذا الإيمان والتفاهم، حددنا موضوع رمضان هذا العام على أنه "رمضان والتضامن". خلال شهر رمضان، سنقوم بأنشطة من شأنها أن تجعل وعينا التضامني أقوى.
وفقاً لإيماننا، فإن الغرض الرئيسي للإنسان على الأرض هو التمسك بإخلاص برب العالمين وفعل الخيرات. والمولى سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم: " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ"، إنه أمرنا أن نتمسك بحبل الله وأن نساعد بعضنا البعض في الخير والتقوى. كما شجعنا النبي صلى الله عليه وسلم على التضامن بقوله: " اللَّه فِي عَوْنِ العبْدِ مَا كانَ العبْدُ في عَوْن أَخيهِ". إن التضامن الذي يعد مبدأ هاماً لا غنى عنه من حيث ضمان استمرار الحياة الاجتماعية في شكل وحدة وتضامن وسلام وأمن، هو أبرز ما يميز الأمة الإسلامية. يرى المسلمون التضامن والتعاون والمشاركة كضرورة للإيمان بالله والولاء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم والولاء للإيمان. لهذا السبب، أصبح التعاون والتضامن في الخيرات طابع أمتنا الحبيبة، التي تضع مفهوم الإيمان فوق كل شيء. وإن وعي التضامن، الذي يتضمن مفاهيم كالإيثار والإكرام والإحسان والكرم، قد حول حضارتنا إلى حضارة تعمل من أجل خير البشرية وحتى من أجل جميع الكائنات الحية. تاريخنا المجيد مليء بالأمثلة المميزة على القيم المشتركة والمبادئ الأخلاقية للإسلام الواهبة للحياة.
هذه الحقيقة، تفرض علينا مسؤولية إحياء شهر رمضان والقيم التي تبرز معه بأجمل صورة. وينبغي أن تضمن للشباب والأطفال على وجه الخصوص الأجواء الروحانية لشهر رمضان على أكمل وجه؛ يجب أن نتأكد من أنهم يشعرون ببركات السحور ولذة الصيام وفرحة الإفطار، ويتنفسون مناخ السلام في مساجدنا في الصلوات والتراويح وأثناء تلاوة القرآن. ويجب أن نشاركهم في بركة المشاركة والتضامن والتعاون. ويجب أن نجعلهم يشهدون جمال العبادات التي يُؤدونها معاً، وفرح عيش نفس الإثارة والحماس، وطمأنينة الاجتماع في نفس المشاعر. وهذه المرحلة تقع مسؤوليات مهمة على عاتق الجميع، وخاصة على كبار العائلات، لتشجيعهم ودعمهم وجمع ذكريات رمضان الجميلة في عقولهم وقلوبهم.
من ناحية أخرى، تفضل شعبنا عادة إعطاء الزكاة في شهر رمضان من أجل الاستفادة أكثر من بركته وفضيلته. في هذا السياق، يُسأل من قبل شعبنا بشكل مكثف حول احتياجات إخواننا متضرري الكوارث وخاصة حول ما إذا كان يمكن إعطاء الزكاة لبناء مساكن دائمة.
وفي 8 فبراير 2023 ، أصدر المجلس الأعلى للشؤون الدينية بياناً حول "إعطاء الزكاة لمنكوبي الزلازل" وفي 15 فبراير 2023، حول "بناء ملاجئ لمتضرري الكوارث بأموال الزكاة". لذلك، يمكن إنشاء مبان لمتضرري الكوارث المحتاجين إلى الإيواء إثر الزلازل والفيضانات والأسباب المماثلة والذين هم في وضع يسمح لهم بتلقي الزكاة، وذلك بواسطة أموال الزكاة وتسليمها لهم كممتلكات. من المناسب إعطاء الزكاة لمنكوبي الزلزال المستحقين لتلقي الزكاة، إلى حسابات الزكاة الخاصة التي فتحتها إدارة الكوارث والطوارئ المسؤولة عن تنظيم المساعدات لتلبية احتياجات متضرري الزلزال، وذلك في إطار البيانات التي نشرتها سابقاً رئاسة الشؤون الدينية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن دفع الزكاة لتوفير الغذاء والضروريات الأساسية لمنكوبي الزلازل.
ومن ناحية أخرى، وفقاً لديننا، فإن مسؤولية التضامن والتعاون لا تتعلق فقط بالزكاة. فمن متطلبات إيماننا الوصول إلى المحتاجين وتضميد جراحهم بالتبرعات والإنفاق إلى جانب الزكاة.
نأمل أن تكون عباداتنا سكينة على أرواحنا، ولطفا على أفئدتنا، وبصيرة على قلوبنا في شهر رمضان المبارك الذي ينزل فيه الرحمة الإلهية على الأرض كهطول أمطار غزيرة. وندعو الله العلي القدير أن يجعل هذا الموسم المبارك وسيلة لسلام وأمن عائلاتنا وبلادنا والعالم الإسلامي والبشرية جمعاء.
رئاسة الشؤون الدينية