17/ربيع الأول/1445
ألقى رئيس الشؤون الدينية الأستاذ الدكتور علي أرباش خطبة باللغتين التركية والفرنسية بعنوان "الإسلام دين السلامة والسلام" في مسجد الأقصى بمدينة شافهاوزن بسويسرا، ثم أمّ الناس في صلاة الجمعة
"أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُونَ اَلْأَعِزَّاءُ وَالْمُحْتَرَمُونَ!
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَنَا مِنَ الْعَدَمِ، وَأَعْلَمَنَا بِوُجُودِهِ، وَأَكْرَمَنَا بِالْإِسْلَامِ، دِينُ السَّلَامَةِ وَالسَّلَامِ، وَجَمَعَ أَجْسَادَنَا وَقُلُوبَنَا فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنْ يَوْمِ الْجُمْعَةِ عَلَى نَفْسِ الصَّفِّ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ الْمُمَيَّزِ، أَحَدُ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا الْمُصْطَفَى مُحَمَّد، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، اَلْمَبْعُوث رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، الَّذِي عَلَّمَنَا الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ وَالْعِبَادَةَ وَالْأَخْلَاقَ الْحَمِيدَةَ، وَالَّذِي رُزِقْنَا شَرَفَ كَوْنِنَا مِنْ أُمَّتِهِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!
إِنَّ لَيْلَةَ الثّلَاثَاءِ الْقَادِمِ الَّتِي تَسْبِقُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ هِيَ لَيْلَةُ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ. وَهِيَ ذِكْرَى اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ الَّتِي قَدِمَ فِيهَا سَيِّدُ الْخَلَقِ الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ سَيِّدُنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُدُومٍ أَشْرَفٍ وَأَعْظَمٍ. وَبِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ أَوَدُّ أَنْ أُهَنِّئَكُمْ بِلَيْلَةِ الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ مُقَدَّمًا. وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَنَا اِتِّبَاعَ سُنَّةِ نَبِيِّنَا وَالتَّحَلِّي بِأَخْلَاقِهِ بِحَقِّ هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْفَضِيلَةِ. وَالسَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. وَجُمْعَة مُبَارَكَة عَلَيْكُمْ إِخْوَتِي الْأَعِزَّاء.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِى ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ ۚ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ."
وَيُخَاطِبُنَا النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ سَيِّدُنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِهِ الشَّرِيفِ فَيَقُولُ: "مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ."
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْأَعِزَّاءُ!
إِنَّ دِينَنَا السَّامِي دِينُ الْإِسْلَامِ؛ هُوَ دِينُ السَّلَامَةِ وَالسَّلَامِ، وَهُوَ دِينُ الْحَقِّ وَالْحَقِيقَةِ، وَهُوَ دِينُ الْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ، وَدِينُ الشَّفَقَةِ وَالرَّأْفَةِ، وَدِينُ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَكذلك دِينُ الْحِكْمَةِ وَالْحَضَارَةِ. فَالسَّلَامُ الَّذِي تَسْعَى إِلَيْهِ كُلُّ نَفْسٍ مَوْجُودٌ فِي الْإِسْلَامِ. وَالسَّعَادَةُ الَّتِي يَتَمَنَّاهَا كُلُّ قَلْبٍ مَوْجُودَةٌ فِي الْإِسْلَامِ.
لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ حَتَّى تَجِدَ الْبَشَرِيَّةُ السَّلَامَةَ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ. وَلَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ لِيُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، لِيَسْلُكُوا سُبُلَ الْخَيْرِ، وَيَعِيشُوا حَيَاةً مُسْتَقِيمَةً.
أَيُّهَا اَلْإِخْوَةُ!
أَوَدُّ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ مَرَّةً أُخْرَى أَنَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى هي "اَلسَّلَامِ". وَلِنَعْلَم أَنَّ مَصْدَرَ السَّلَامِ وَالسَّلَامَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَنَّ دُعَاءَ النَّبِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَقْرَأُهُ جَمِيعًا بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ يُخْبِرُنَا بِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ وهي: "اَللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ".
أَيُّهَا اَلْإِخْوَةُ!
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْنُ مُسْلِمُونَ. وَنَحْنُ نَقُومُ بِتَمْثِيلِ اِسْمِ رَبِّنَا "اَلسَّلَامِ" فِي الْعَالَمِ. لِذَا مَنْ يَتَعَرَّفُ عَلَيْنَا يَجِبُ أَنْ يُحِبَّ الْإِسْلَامَ. وَيَجِبُ عَلَى أَيِّ شَخْصٍ يَرَانَا أَنْ يَتَعَرَّفَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَنْ يَرْغَبَ فِي أَنْ يُصْبِحَ مُسْلِمًا. وَيَنْبَغِيَ لِمَنْ أَصْبَحَ جَاراً لَنَا وَتَاجَرًا مَعَنَا أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنَّا نَبِيُّنَا. فَنَحْنُ مَسْؤُولُونَ عَنْ اِتِّخَاذِ مَوْقِفٍ إِيجَابِيٍّ مِنْ أَجْلِ اَلسَّلَامِ. وَيَجِبَ أَنْ نَنْشُرَ السَّلَامَ حَوْلَنَا. وَعَلَيْنَا أَنْ نُسَاهِمَ فِي خَلْقِ بِيئَةٍ مَلِيئَةٍ بِالتَّسَامُحِ وَالْأُخُوَّةِ. وَكذلك عَلَيْنَا أَنْ نُقِيمَ عَلَاقَاتٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى الْخَيْرِ وَالْعَدْلِ مَعَ كَافَّةِ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ دِينِهِمْ وَأَصْلِهِمِ الْعِرْقِيِّ. فَهَكَذَا وَصَفَنَا نَبِيُّنَا الْحَبِيبُ حِينَ قَالَ: "اَلْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ". وَقَدْ كَانَ يُلَقَّبُ النَّبِيُّ بِمُحَمَّد اَلْأَمِينِ. وَالْيَوْم وَكَمَا فِي الْمَاضِي، يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَسْعَى جَاهِدِينَ لِلْعَيْشِ فِي سَلَامٍ وَسَلَامَةٍ مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ عِرْقِهِمْ وَلَوْنِهِمْ وَدِينِهِمْ وَلُغَتِهِمْ. كَمَا يَجِبُ أَلَّا نَنْسَى أَنَّ الْكَثِيرَ مِنَ النَّاسِ يُقِيّمُونَ الْإِسْلَامَ وَيُفَضِّلُونَهُ بِنَاءً عَلَى أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا نَحْنُ الْمُسْلِمِينَ. فَإنَّ تَعَرُّفَ إِنْسَانٍ عَلَى الْإِسْلَامِ وَاعْتِنَاقَهُ الْإِسْلَامَ بِحُسْنِ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا، خَيْرٌ وَأَثْمَنُ لَنَا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا.
أَيُّهَا اَلْإِخْوَةُ!
فِي زَمَانِنَا الْحَالِيِّ، أَصْبَحَ الْإِسْلَامُوفُوبْيَا مُسْتَخْدِمًا بِشَكْلٍ مُتَكَرِّرٍ وَهُوَ الْمُصْطَلَحُ الَّذِي لَا يُمْكِنُنَا نَحْنُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ نَتَقَبَّلَهُ أَبَدًا. فَمِنْ غَيْرِ الْمَقْبُولِ أَبَدًا اِسْتِخْدَامُ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ، دِينِ السَّلَامَةِ وَالسَّلَامِ، بِجَانِبِ الْكَلِمَةِ السَّلْبِيَّةِ "فُوبْيَا"، وَالَّتِي تَعْنِي الْخَوْفَ. وَالْيَوْم تَقْرِيبًا كُلَّ الْعُلُومِ وَالْعُلُومَ الطَبِيعِيَّةَ وَالْمَعْرِفَةَ التِّقْنِيَّةَ الَّتِي بَنَتْ عَلَيْهَا أُورُوبَّا حَضَارَةَ الْعَالَمِ أَجْمَعَ بِشَكْلٍ عَامٍّ، إِمَّا اِخْتَرَعَهَا الْمُسْلِمُونَ، أَوْ طَوَّرَهَا الْمُسْلِمُونَ، أَوْ وَصَلَتْ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا عَلَى يَدِ الْمُسْلِمِينَ. وَوَاجِبُنَا اَلْيَوْمَ كَمُسْلِمِينَ هُوَ الْاِمْتِثَالُ لِأَوَامِرِ الْإِسْلَامِ وَاتِّبَاعِ وَصَايَاهُ. وَهِيَ نَقْلُ قِيَمِ الْإِسْلَامِ الْعُلْيَا وَمَحَاسِنِهِ إِلَى حَيَاتِنَا، وَبِالتَّالِي تَمْثِيلُ الْإِسْلَامِ بِأَجْمَلِ صُورَةٍ.
وَيَنْبَغِي أَلَّا نَنْسَى حَدِيثَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اَلْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ".
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَعِزَّاءُ!
هَذَا أَوَدُّ أَنْ أُخَاطِبَ النَّاسُ جَمِيعًا مِنْ هَذَا الْمِنْبَرِ:
أَيُّهَا اَلنَّاسُ!
أَوَدُّ الْيَوْمَ أَنْ أُخَاطِبَكُمْ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ الَّتِي أَلْقَاهَا يُونُسْ أَمْرَه، أَهْلُ الْمحبَّةِ تِجَاهَ الرَّبِّ وَعِبَادِهِ:
"تَعَالَوْا نَتَعَارَف لِنَجْعَلَ الْأُمُورَ سَهْلَةً يَسِيرَةً. وَلِنُحِبّ مَنْ حَوْلنَا وَيُحِبّنَا النَّاسُ. هَذِهِ الدُّنْيَا لَا تَدُومُ وَلَا تَبْقَى لِأَحَدٍ."
اَلْيَوْم أُخَاطِبُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ، مِنْ هَذَا الْمِنْبَرِ الَّذِي وَرِثْنَاهُ عَنْ نَبِيِّنَا! إِنَّ إِنْهَاءَ جَمِيعِ الصِّرَاعَاتِ وَالْحُرُوبِ فِي الْعَالَمِ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ إِلَّا مِنْ خِلَالِ تَطْبِيقِ مَبَادِئِ السَّلَامِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي الْحَيَاةِ. وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ يَتَوَقَّفَ طُوفَانُ الدُّمُوعِ فِي الْعَالَمِ وَتَنْتَهِي الْمُعَانَاةُ، فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَلْتَزِمَ بِأَوَامِرِ رَبِّنَا وَنَوَاهِيهِ. وَإِذَا نَأْمَلُ أَنْ يَسُودَ السَّلَامُ وَالسَّكِينَةُ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ، فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَلْتَزِمَ بِمَبَادِئِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ الْوَاهِبَةِ لِلْحَيَاةِ. وَإِذَا نَبْحَثُ عَنْ طُرُقٍ لِعِلَاجِ مَشَاكِلِ الْمَظْلُومِينَ وَالْمَسَاكِينَ وَالْيَتَامَى، فَإِنَّ الطَّرِيقَةَ الْوَحِيدَةَ لِلْقِيَامِ بِذَلِكَ هِيَ مَعْرِفَةُ الرِّسَالَاتِ الَّتِي جَاءَ بِهَا نَبِيُّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمِيع اَلْأَنْبِيَاءِ مِنْ أَجْلِ مَصْلَحَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَالْعَيْشِ بِهَا وَنَقْلِهَا لِلْأَجْيَالِ الْقَادِمَةِ.
إِنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ، وَكُلّنَا أَبْنَاءُ سَيِّدِنَا آدَمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ. لِذَا يَجِبُ عَلَيْنَا حِمَايَةَ الْحُقُوقِ وَالْحُرِّيَّاتِ الْأَسَاسِيَّةِ لِلنَّاسِ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ مُعْتَقَدَاتِهِمْ وَأَعْرَاقِهِمْ وَأَلْوَانِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ. فَلْتَنْتَهِ الْحُرُوب. فَيَجِبُ أَلَّا يَمُوتَ النَّاسَ وَالْأَطْفَالَ مِنَ الْجُوعِ. وَيَنْبَغِي لِلْجَمِيعِ اَلْاِسْتِفَادَةُ مِنَ التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَثَرَوَاتِ الْأَرْضِ. إِنَّ نِصْفَ الْعَالَمِ يُعَانِي مِنَ الْجُوعِ وَالْفَقْرِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ فِي تَرَفٍ كَبِيرٍ وَهَدرٍ. فَهُنَاكَ مَنْ يَمُوتُ مِنَ الْجُوعِ، وَهُنَاكَ مَنْ يَمُوتُ مِنْ كَثْرَةِ الْأَكْلِ. فَلْنَقْتَسِم ثَرَوَات الْعَالَمِ بِالْعَدْلِ، حَتَّى لَا يَمُوت أَحَدٌ مِنَ الْجُوعِ أَوْ الشبع.
فَإِنَّ الْأَرْضَ تَكْفِينَا جَمِيعًا."