07/جمادى الأولى/1445
أشار رئيس الشؤون الدينية الأستاذ الدكتور علي أرباش: "أن الملايين الذين خرجوا إلى الشوارع من أجل غزة وفلسطين هم في الأساس انتفاضة إنسانية ضد الصهيونية الوحشية التي تتغذى على الدماء. يجب علينا تنمية وتعزيز الانتفاضة و إبقائها حية على كل منصة."
بدأ اللقاء التشاوري الثالث والأربعون في أنطاليا برئاسة مفتي المحافظات ورئيس الشؤون الدينية الأستاذ الدكتور علي أرباش.
وفي كلمته الافتتاحية، تمنى الرئيس أرباش أن يكون هذا اللقاء لقاء خير.
وأشار الرئيس أرباش إلى أن العالم اليوم يقع تحت حصار أزمات ضخمة على النواحي الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، وأنه يعيش واحدة من أصعب الفترات في التاريخ حيث يتم تجاهل حياة وحقوق وكرامة الإنسان ويسحق فيها القوي الضعيف، ومشاهد فظيعة تمزق القلوب.
"أولئك الذين ارتكبوا الإبادة الجماعية ضدهم يدعمونهم الآن لارتكاب الإبادة الجماعية"
وأشار الرئيس أرباش إلى أن فلسطين تتعرض مرة أخرى في هذه الأيام لهجمات غير عادلة وغير قانونية وبلا رحمة من قبل إسرائيل المحتلة.
وقال :"إن القدس ومحيطها، التي كانت حرفياً دار السلام لقرون تحت حكم المسلمين، هي اليوم مسرح معاناة تحطم ضمير الإنسانية نتيجة للاحتلال الصهيوني الذي دام 75 عاماً. وبشكل أوضح، فإن منظمة إرهابية صهيونية ترتكب جرائم القتل أمام أعين العالم أجمع. وإن إسرائيل المحتلة ترتكب إبادة جماعية. حيث إنها تحاول تدمير الأمة كاملة في غزة والضفة الغربية والقدس وفي جميع مدن فلسطين الأخرى. إنهم ينتقمون بسبب تعرضهم لإبادة جماعية في الماضي، وكأن المسلمين هم من ارتكبوها بحقهم. لكن الذين ارتكبوا الإبادة الجماعية ضدهم أصبحوا الآن يدعمونهم في ارتكاب الإبادة الجماعية. هذا أمر غير مفهوم على الإطلاق.
الأطفال الفلسطينيون يواجهون الموت قبل أن يروا ضوء النهار. وعشرات الآلاف من الأبرياء يصرخون ويموتون تحت الأنقاض. وإن صرخات الأمهات وأطفالهن الموتى بين أذرعهن تجعل السماء ترتجف. ومئات العائلات تختفي بكل أفرادها أمام أعين العالم".
"الغرب الذي داس على كل القيم، أصبح الآن مفلساً".
وذكر الرئيس أرباش أن جميع المنظمات الدولية، وخاصة الأمم المتحدة، كانت راضية بمشاهدة الفظائع، وقال: "اللعنة، إن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية تصدر بيانات الدعم غير المشروط للمجازر التي ترتكبها إسرائيل. وأضاف أن الغرب الذي داس على كل القيم التي يدعي الدفاع عنها في مواجهة مثل هذه الوحشية، أصبح الآن مفلساً".
ومشيرًا إلى أن قادة بعض مراكز القوة التي قدمت الدعم الكامل لإسرائيل منذ احتلال فلسطين ينتمون إلى نفس الخرافة، قال الرئيس أرباش: "كما ذكرت للتو، خلف الصهيونية اليهودية، التي جرت العالم كله إلى الكارثة، هناك الكِرازة (التبشير بالإنجيل)، أي الصهيونية المسيحية. ولهذا السبب فإن القتل الوحشي لأطفال غزة الأبرياء لا يعني لهم شيئاً. لأن مفاهيم مثل الحقوق والقانون والأخلاق والضمير في قاموسهم هي مجرد أدوات تستخدم لضمان مصالح الصهيونية. ويجب أن نعلم أنهم لن يكتفوا بغزة والقدس وفلسطين. وسيستمرون في جعل الأرض بأكملها غير صالحة للسكن سعياً وراء معتقداتهم المنحرفة."
وقال الرئيس أرباش إن أعظم مصيبة في هذا العصر هو أن نظام الاستغلال العالمي الذي يمهد الطريق للقمع والظلم والمجازر والإبادة الجماعية، يحيط بالحياة في كل مجال.
"الحقائق العالمية للإسلام هي أعظم فرصة للبشرية"
وشدد الرئيس أرباش على أن المشكلة الأساسية للإنسانية اليوم هي الإمبريالية العنصرية العالمية، وقال: "لذلك، من الضروري إعادة الأرض إلى أخلاق وقانون وحضارة جديدة. واليوم، يحتاج الضمير الاجتماعي العالمي، الملوث بالظلم والشر، إلى العلاج. مما لا شك فيه أن الحقائق العالمية للإسلام هي أعظم فرصة للبشرية في هذه المرحلة. وإن الإسلام هو نظام لا يخاطب المسلمين فحسب، بل يخاطب جميع الناس ويهدف إلى السلام والطمأنينة والسعادة لجميع الناس."
صرح الرئيس أرباش أن الإسلام دين السلام والرفاهية الذي يدافع ويحاول الحفاظ على نفس القيم المشتركة العالمية للجميع في جميع أنحاء العالم وقال: "في واقع الأمر، لقد عاشت منطقة جغرافية ضخمة تحت رعاية حضارة نبيلة بنيت بحقائق الإسلام، من بلاد ما وراء النهر إلى الأندلس، ومن شبه القارة الهندية إلى الصحراء الغربية، في سلام وأمن لعدة قرون. وإن الجغرافيا الإسلامية شهدت أفضل الأمثلة على التعايش المشترك بكل اختلافاته، بغض النظر عن الدين أو اللغة أو العرق أو الطائفة، والتاريخ شاهد على ذلك".
وأشار الرئيس أرباش إلى أنه من الممكن جعل الأرض مكانًا أكثر عدلاً وسلامًا وأمانًا، وقال: "لهذا يجب على المسلمين أن يفهموا قيم الإيمان والحضارة ويعملوا على بناء مستقبل مشرق بتصميم وإرادة. وعليهم أن يتخلصوا من شعور الذل ويحشدوا مواردهم بالشجاعة والثقة بالنفس. يحتاج المسلمون إلى التخلي عن المناقشات التي لا معنى لها وإنتاج سياسات قوية مع الوعي بالوحدة."
"علينا أن نحذر من الفتنة والتفرقة"
وذكر الرئيس أرباش أن عالم معتقدات وعواطف أمتنا يجب أن يكون مزودًا بالمعرفة الدينية الأصيلة المستندة إلى الكتاب والسنة، وقال: "علينا أن نعزز مشاعر الوحدة والتضامن والأخوة في أمتنا، وأن نكون متيقظين ضد الفتنة والانقسام. إن أعظم خطر ودمار على المسلمين في كل فترة من فترات التاريخ، من الأندلس إلى بغداد، هو الفتنة والتفرقة."
وأشار الرئيس أرباش إلى أنه ينبغي تعزيز وعي الشباب بشكل خاص بالقدس، وقال: "إن قضية القدس هي قضية عظيمة. إذا كان هناك شاب واحد، شخص واحد في هذه الأرض لا يعرف قضية القدس، فإن اللوم في ذلك سيكون علينا جميعاً، ودعونا لا ننسى ذلك أبداً. وأضاف هذه نهضة ونأمل أن تكون قضية القدس وفلسطين من العناصر التي ستؤدي إلى نهضة نفوس الشباب".
"يجب أن نوجه طاقة شبابنا وهمتهم توجيهاً صحيحاً ونتوجهم بحب النضال والجهاد في سبيل الدين والإيمان والوطن والمقدسات". وقال الرئيس أرباش: "يجب أن يكتسب شبابنا القدرة على العمل بوعي الوحدة والتضامن ضد جميع أنواع القمع والظلم".
وأشار الرئيس أرباش إلى أنهم في عالم تقضي فيه الحياة إلى حد كبير في القنوات الرقمية وقال: "على الرغم من أن العالم الرقمي يوفر فوائد عديدة في العديد من المجالات مثل الوصول إلى المزيد من الناس والحصول على المعلومات بسرعة أكبر، إلا أن العالم الرقمي يتسبب أيضًا في ظهور العديد من المشاكل على المستوى الفردي والاجتماعي، كما أنها تشكل الأساس. وهنا يتم استغلال المشاعر والأفكار النقية لشبابنا وأجيالنا أكثر من غيرها. لهذا السبب، من المهم جدًا إنتاج خدمات بأسلوب يأخذ في الاعتبار واقع الوسيط المعني."
"نحن ننتج العديد من الخدمات والمحتويات في البيئات الرقمية"
شدد الرئيس أرباش على ضرورة وجود دراسات تمنع الشباب والأجيال من الضياع في مجهول العالم الافتراضي، وقال: "اليوم، بصفتنا رئاسة الشؤون الدينية، ننتج العديد من الخدمات والمحتويات في البيئات الرقمية من أجل معرفة ديننا وعقيدتنا بأفضل طريقة وفهم الفترات التي تمر بها البشرية بأدق طريقة".
وذكر الرئيس أرباش أن الظالمين سيحاسبون بالتأكيد على الظلم الذي ارتكبوه، في الدنيا والآخرة، وتابع كلامه على النحو التالي:
"اليوم، نرى أن هناك حساسية تجاه القضية الفلسطينية في جميع أنحاء العالم، وعدد الأشخاص الذين يرفعون أصواتهم ضد الظلم يتزايد يوماً بعد يوم. وهذا الوضع بالطبع يبعث الأمل بالنسبة لمستقبل البشرية. إن الملايين الذين خرجوا إلى الشوارع من أجل غزة وفلسطين هم في الأساس انتفاضة إنسانية ضد الصهيونية الوحشية التي تتغذى على الدماء. فنحن بحاجة إلى إبقاء هذه الانتفاضة حية وتنميتها وتعزيزها على كل منصة. وواجبنا أن نقف بحزم ضد كل أنواع الظلم والقهر والشر. في واقع الأمر، عقيدتنا هي الوقوف إلى جانب المظلومين، بغض النظر عمن يكونون، واسمحوا لي أن أقول هذا حتى يتم فهمه بشكل أكثر وضوحًا. حتى لو كان الظالم مسلماً والمظلوم غير مسلم، فإننا لا ننظر إلى معتقداتهم، بل نقف إلى جانب المظلومين. فنحن ننقذ ونحمي المظلوم ضد الظالم. هذا ما يأمر به إيماننا.
إن مد يد العون للمحتاجين، والوقوف ضد الظلم والظالم، ومحاربة الشر والظلم واجب على كل مؤمن ولا يمكن إهماله أبداً. ومن ناحية أخرى، يُحَرم أيضاً تجاهل القهر والظلم، والسكوت علناً ضد الظالمين والخونة، ودعم الظالمين والمحتلين والإرهابيين والقتلة بشكل مباشر أو غير مباشر، ودعم مؤيديهم".
"يجب أن تستمر هذه المقاطعة بدون انقطاع"
وأشار الرئيس أرباش إلى أن رئاسة الشؤون الدينية حافظت على جميع وسائلها وجهودها في هذه العملية، وقال: "لقد قررنا مقاطعة الشركات التي تدعم إسرائيل المحتلة ودعونا شعبنا إلى هذه المقاطعة. وقد لقي هذا القرار استجابة جادة للغاية، ولكن يجب أن يستمر هذا دون انقطاع. من هنا، أناديكم وجميع إخوتنا وأخواتنا الذين يصل صوتنا إليهم وإلى أمتنا بأسرها من خلالكم. يجب أن تستمر هذه المقاطعة بدون انقطاع".
وشكر الرئيس أرباش موظفي رئاسة الشؤون الدينية على تضحياتهم خلال الزلازل التي حدثت في 6 شباط وقال: "لقد قمتم بهذا العمل المتفاني الذي جعلتمونا فخورين به دائمًا. لقد لعبتم دوراً أساسياً في تقديم صورة الفخر هذه في كل مكان. بارك الله فيكم".
حضر البرنامج رئيس الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا نعمان كورتولموش، ووالي محافظة أنطاليا خلوصي شاهين، ونائب رئيس الشؤون الدينية الأستاذ المشارك الدكتور برهان إشلييان، والأستاذ الدكتور إبراهيم حلمي كارسلي، وقادر دينش وكبار المسؤولين التنفيذيين في الرئاسة.