26/محرم/1446
قالت رئاسة الشؤون الدينية بشأن الصور والمظاهر التي ظهرت في افتتاح الألعاب الأولمبية، "إن الصور والمقاطع التي ترمز إلى الشذوذ الجنسي والبيدوفيليا والتي تم عرضها عمداً في افتتاح الألعاب الأولمبية، كشفت بوضوح عن الوجه القبيح لمراكز الإفساد العالمية. وأصحاب العقلية التي دبرت ونظمت مثل هذه الصور والمظاهر، أعلنوا الحرب على آداب الإنسان وكرامته ومعتقدات المجتمعات وقيمها".
إننا نعيش عصر الاتصالات، حيث يمكن لأي فهم يظهر في منطقة من العالم أن يؤثر في العالم كله دون التقيد بأي حدود زمانية ومكانية. ونمر في هذا العصر بفترات صعبة، تتعرض فيها البشرية لانحطاط سريع وشامل، يؤثر سلبا في تفسير المعتقدات والقيم والتصورات والثقافة ويمنع تطبيق القيم والمفاهيم بشكل صحيح. ويكمن الجانب الأكثر خطورة في هذه الفترات في أن الأمم والمجتمعات وخاصة الأجيال الصاعدة تبقى بلا وقاية وتحصين كاف إزاء الهجمات والاعتداءات التي تطال العقيدة والأخلاق والقيم.
ظهرت على مر التاريخ، ميول ونزعات غير طبيعية تحرّف فطرة الإنسان وتفسدها. وتتكثف هذه الميول الشاذة وتتقوى حين تقوى شوكة الظلام والجهل عند البشرية. واليوم نلاحظ أن إمكانيات التواصل والتفاعل وصلت إلى آفاق مذهلة، وأصبح التأثير المدمر للميول والتيارات الشاذة أكبر من أي وقت مضى. ولا يقتصر خطر هذه التيارات على منطقة بعينها فحسب، بل يهدد البشرية جمعاء. وهناك مقارابات لا تكترث لتنشئة الأجيال بشكل صحي وتتغاضى عن أهمية الدين والعالم الروحاني للبشر. وتأتي على رأس هذه المقارابات التي تتجاهل الواقع المادي والروحي والقيمة الوجودية والكرامة الوجودية للإنسان وتسلخه عن جوهره، سياسات تسمى "التحييد الجنسي" التي تدعي احترام المساواة وحقوق البشر ولكنها تشكل أساسًا لكل أنواع الفساد تحت مسمى حرية التوجه الجنسي.
إن الجنس الذي يتملكه الإنسان منذ ولادته يرمز إلى قرار الله عز وجل واختياره، وليس صفة يستطيع الفرد أن يقرر مصيرها أو يغيرها متى يشاء. وخلق البشر ذكورًا أو إناثًا هو نعمة وحكمة إلهية. ولا شك أن الجهود الرامية تعني إلى تحييد خصائص الجنسين، التمرد على هذه الإرادة الإلهية. ولم تكن الخطابات المنتشرة في حق المثليين دعوة إلى الحرية، بل كانت ولا زالت على العكس من ذلك؛ دعامة لأيديولوجيات إمبريالية ظلامية تهدف إلى فصل الإنسان عن سياق التصورات الدينية حول عبادة الله وفناء الكون والغاية من الخلق والحكمة والمسؤولية، وتحويله إلى مادة استهلاكية في دوامة حياة لا معنى لها. وهذه الخطابات تتجاهل كل القيم والفضائل والصفات السامية والمشرفة التي تجعل الإنسان كائنا كريما، وتجره نحو الإحباط والخسران المبين تحت مسمى الحرية اللا محدودة. وتنشأ هذه الخطابات عن تيارات أيديولوجية معادية للدين والأخلاق وترمي إلى إنتاج إنسان بلا أصل وجذور وإلى طحنه وإفنائه في دائرة المصالح الذاتية.
إن الصور والمقاطع التي ترمز إلى الشذوذ الجنسي والبيدوفيليا والتي تم عرضها عمداً في حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية ٢٠٢٤ في فرنسا، كشفت بوضوح عن الوجه القبيح لمراكز الإفساد العالمية. وأعلن أصحاب العقلية التي دبرت ونظمت مثل هذه الصور والمظاهر، الحرب على آداب الإنسان وكرامته ومعتقدات المجتمعات وقيمها، مستخدمين جميع الوسائل والمنصات المتاحة عندهم. وتم بذلك تحويل برنامج الافتتاح الذي بث على الهواء مباشرة في جميع أنحاء العالم إلى برنامج الترويج لعقلية منحرفة تريد إفساد مشاعر الشباب وأفكارهم حول الأمور الجنسية. وإنه لمن الضلال والسفاهة والغفلة، أن تغض بعض الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا، الدولة المستضيفة، الطرف عن مشاهد برنامج الافتتاح التي جلبت العار على الإنسانية، لما تضمنه من توظيف الفن والرياضة أداة لدعاية قبيحة. وأثبت الغرب المعروف بتعصبه تجاه المعتقدات والثقافات والحضارات الأخرى منذ الماضي، إفلاسه وخسارته فعلاً بتصفيقه للانحراف الذي يهين القيم بما فيها الرموز والقيم الدينية الغربية.
وينبغي أن يعلم الكل أنه لا يمكن إضفاء الشرعية على أي فهم يهدف إلى تعطيل الفطرة السليمة للإنسان أشرف مخلوق على وجه الأرض وأعظمها قيمة. ولا يمكن شرعنة أي منهج يهين القيم الدينية والإنسانية، ولا يمكن كذلك قبول أي نشاط يشجع على الفسق والفجور عن طريق خطاب الحرية. ويجب أن يستنكر ويشجب كل صاحب عقل سليم، سياسات التحييد الجنسي التي تبعد العبد عن ربه، وتعارض صريح الوحي وتحذيرات الأنبياء جميعاً، وتهدف إلى تدمير الأسرة والبنية الاجتماعية. ولقد أصبح لزامًا علينا كالبشرية أن نتخذ موقفًا جماعيًا من التيارات المنحرفة من أجل حماية مستقبل الإنسان. وتقع مسؤولية كبيرة على عاتق المسؤولين والمثقفين والزعماء الدينيين وقادة المجتمع المدني وكل فرد عاقل في المجتمعات الغربية في منع تفشي المفاهيم الخاطئة والتيارات الشاذة.
ونود التأكيد على أن رئاسة الشؤون الدينية تقف بحزم في وجه كل أنواع الخطابات والتصرفات التي تهدد الإيمان والعقيدة الصحيحة والأخلاق ووجود لإنسان كمخلوق مشرف مكرم، وستستمر في وقوفها وفي توجيه الشباب إلى الخير والبر والصواب في مواجهة والسياسات والتيارات التي تضر بعالمهم الإيماني وتصوراتهم لذواتهم ووعيهم بالهوية مثل ما يسمى بالتحييد الجنسي. وإننا ندعم الفن والرياضة ونشجع الشباب عليهما لما فيهما من صفات تضيف قيمة الإنسان، وبهذه المناسبة نتمنى التوفيق للرياضيين الأتراك الذين يمثلون تركيا.
رئاسة الشؤون الدينية
مستشارية الصحافة والإعلام والعلاقات العامة