أوضح رئيس الشؤون الدينية السيد أرباش ضمن رسالته بمناسبة شهر محرم وذكرى كربلاء أن أكثر مهمة مصيرية وتاريخية تقع على عاتق المسلمين تتمثل في القراءة و الفهم الحقيقي والصحيح لحادثة كربلاء واستنتاج العبر والعظات من هذه الحادثة، وقد تحدث قائلاً "وبالنظر من هذا الجانب فإن أعظم رسالة تنقلها إلينا حادثة كربلاء تتمثل في الوحدة والتماسك والتعاضد وإقامة الأخوة."
إن اليوم هو يوم عاشوراء العاشر من شهر محرم الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم "بشهر الله" وهو الذكرى السنوية لحادثة كربلاء التي حفرت في أذهاننا وقلوبنا بشكل خاص بأن السنة ال 61 للهجرة ستظل بمثابة سنة حزن وألم إلى يوم القيامة.
إن حادثة كربلاء، التي هي جرح غائر في قلوب جميع المؤمنين من الذين آمنوا بالله وبرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الذين امتلأت قلوبهم بمحبة أهل البيت، أغرقت جميع المسلمين على اختلاف مناطقهم وثقافاتهم ومذاهبهم ومشاربهم في هم وحزن لا يمكن وصفه، وقد جعلت من سيدنا الحسين رضي الله عنه نقشاً يتوسط قلوب المؤمنين، كما أنها جعلت ممن أجازوا هذا الظلم الذي تعرض له رضي الله عنه وأقاربه، وأباحوه محكومين للتاريخ والضمائر الإنسانية.
ومن هذا الجانب فإن حادثة كربلاء؛
هي بمثابة موسم خريف نقابل فيه بقلوبنا وإرادتنا وعزمنا غاية الخير التي سعى لأجلها سيدنا الحسين رضي الله عنه الذي هو اسم وشعار للتوحيد والوحدة وطاعة المعبود والرحمة بالمخلوق والذي أهدى الإنسانية الحياة بنيله للشهادة.
إنها العلامة والإشارة التي تشعل القلوب والتي تدل على ارتباطنا بالفضائل من حق وحقوق وعدالة ومرحمة والتي بدورها تجتمع في شخص سيدنا الحسين رضي الله عنه نصير المظلومين وملجؤهم.
إنها الملحمة التي سطرت من أجل نبذ الظلم والكراهية على هذه الأرض وإحلال المرحمة والمحبة بدلاً منها ومن أجل أن تسود الصداقة والأخوة بدلاً من العداوة والخصومة.
إنها البشرى للشهادة في الطريق المفضي إلى رب العزة عز وجل، وللعزة المحيطة بالمؤمنين الموحدين وللقامة المرفوعة في وجه الظلم والظالمين وهي دائماً وأبداً بشرى الاستقامة للذين يعلون كلمة الحق في وجه الباطل.
لا شك أن هذه الحادثة الأليمة التي أحرقت قلوبنا ودواخلنا هي في الحقيقة مرجع ومستند مأساوي لشعور وإحساس عظيم ولفطنة وبصيرة ثاقبة في فترة من الزمن يزداد فيها يوماً بعد يوم احتياجنا لبتسامة حسينية بريئة، وتحولت فيها منابع المشاعر الإنسانية إلى كربلاء أخرى، وأحاطت بنا النار اليزيدية فيها من كل جانب.
إن أكثر مهمة مصيرية وتاريخية تقع على عاتق المسلمين اليوم ممن بقي ألم حادثة كربلاء ومرارها يسكن أعماق قلوبهم، تتمثل في القراءة و الفهم الحقيقي والصحيح لهذه الحادثة ووأخذ الدروس واستنتاج العبر والعظات منها. وبالنظر من هذا الجانب فإن أعظم رسالة تنقلها إلينا حادثة كربلاء تتمثل في الوحدة والتماسك والتعاضد وإقامة الأخوة. وبالتالي فإن كربلاء يجب أن توحد قلوب كل فرد من أفراد هذه الأمة وتجعل منها قلباً واحداً وضميراً ليس له آخر. ولا شك أنه إذا لم ننقل هذه الرسالة إلى حياتنا ونجعلها جزء منها فإن أكثر قصص الأحزان والمآتم ألماً سوف تستمر في بقائها وحدوثها في العالم الإسلامي ومناطقه الجغرافية. ولا شك أن المشاهد التي نشاهدها والآلام التي تحدث يومياً في الكثير والعديد من البلاد والديار الإسلامية اليوم من حلب إلى اليمن، والمآتم التي تقام هنا وهناك، تحيي في دواخلنا وقلوبنا ألم كربلاء وحادثتها.
ومن ناحية أخرى فإن فهم كربلاء يعني معرفة سيدنا الحسين رضي الله عنه. لأن طريقه رضي الله عنه هو طريق رسول الله محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم. أما حب سيدنا الحسين رضي الله عنه فيتمثل في السعي لعيش الفضائل المتجسدة والقيم المتمثلة في شخصه. ولا شك أنه عندما يتحقق هذا النموذج ستحتكم الأرض للفهم الذي من شأنه أن يجمع الإنسانية بالفضائل الأخلاقية من ولاء ووفاء وإخلاص وغيرها، والذي سوف يعلي العدالة ويجلها، والذي لا يرضي بالظلم مهما كان، والذي يقف على الدوام في صف الحق وإلى جانب المظلومين والضعفاء.
ومن منطلق هذا الشعور والفهم فإنني إذ أستذكر شهداء كربلاء وفي مقدمتهم سيدنا الحسين رضي الله عنه أستذكر هنا أيضاً جميع شهدائنا الأبرار الذين ضحوا بأغلى ما يملكون، ضحوا بأرواحهم في سبيل المقدسات وفي سبيل الحق والحقيقة منذ معركة بدر وحتى معركة جنق قلعة، ومنذ حرب الاستقلال وحتى حادثة الخامس عشر من يوليو، سائلاً المولى الرحمة والمغفرة لهم جميعاً. كما وأسأل الله عز وجل أن يمن على أبناء شعبنا الذين لا زالوا متمسكين ومنذ عصور عديدة بحب النبي صلى الله عليه وسلم وحب أهل بيته الكرام، وينعم عليهم بالعيش في ظل السلام والاستقرار والأمن والحب والاحترام المتبادلين على الدوام.
الأستاذ الدكتور علي أرباش
رئيس الشؤون الدينية